السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أعتقد أن هناك جلسة لمجموعة من الشباب، أو مجموعة من البنات، وخاصة إن كانوا غير متزوجين ومتزوجات، ستخلو من الحديث عن الزواج. وسيطل سؤال مثير برأسه قبل أن ينقسم الجمع إلى فريقين! والسؤال هو كيف نتزوج وعلى أي أساس؟ هل الزواج التقليدي الذي صمد قروناً طوالاً مازال نافعاً رغم كل المتغيرات؟ أم أن طريقة " القلب وما يهوى" هي الأنجع بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى؟
ابتداء يجب أن نعرف أن التقليدي درجات ومراحل متفاوتة، وهو ما يعرف بزواج الصالونات، فهناك من وظيفة الأهل فيه فقط ترتيب التعارف، وآخرون لا يسمحون باللقاء قبل ليلة الزفاف. وكذلك الزواج عن حب وتعارف يختلف ويتفاوت، فهناك تعارف طبيعي من خلال العمل والدراسة أو الجيرة أو حتى ضمن العائلة، وهناك ما تم في مراكز التسوق وعبر الأسلاك الهاتفية، أو الإنترنت. فكيف ينظر الشباب والبنات اليوم، إلى طريقة الزواج هذه أو تلك؟ وأيهما يفضلون؟
يرى البعض أن الطريقة التقليدية مع بعض التعديل سوف تكون مناسبة، فالمشكلة أننا لا نعرف الحلول الوسط. فمعرفة الإنسان لزوجته المستقبلية إن كانت في إطار مقبول شرعا هي الأفضل، ولكن إلى وقتنا هذا يوجد آباء لا يسمحون بالرؤية الشرعية، فهناك من تزوجوا ولم يروا زوجاتهم إلا يوم الزواج، والنتيجة للأسف الطلاق. فمعرفة الإنسان للطرف الآخر قبل الزواج ضمن إطار شرعي أفضل، والإطار الشرعي - لدى هؤلاء- يحدده علماء ثقات.
ويرى آخرون أن الزواج التقليدي له مميزات، والزواج الحديث وهو تعرف الطرف الأول على الطرف الثاني بشكل مباشر قبل الخطبة الرسمية أيضا له ميزات، لكن المشكلة عندنا أن الزواج التقليدي هو شبه إجباري، كونه لا يوجد بديل آخر إلا فيما ندر. فلو أراد الشاب أن يخطب بطريقة عصرية أكثر وفيها تعارف مباشر بينه وبين الفتاة أو حتى العكس، فلا يمكنهما ذلك. فكون العزلة الحاصلة بين الجنسين مبالغاً فيها، لا يستطيع أحد الجنسين التعارف بطريقة أخلاقية لا تتجاوز الحدود الشرعية، بحيث يتولد فيما بينهما الإعجاب والانسجام اللذين يؤديان إلى الزواج، ومن ميزات هذه الطريقة أنها توفر معطيات أكبر لكل منهما عن الطرف الآخر تزيد من احتمال صحة الاختيار.
أما في الطريقة التقليدية فعادة الموضوع يعتمد على السمعة والظاهر السطحي، كشكل الفتاة وراتب الشاب، بغض النظر عما إذا كانت شخصيتاهما تتناسبان أم لا، فأحيانا لا يكون هناك توافق فكري أو توافق بين الأطباع والشخصيتين بين الاثنين، مع أن كلاً منهما إنسان جيد ولا يعاب. حتى البنات لم يعدن يستسغن فكرة حضور النساء للتفرج عليهن، فإحداهن قالت إنها ليست سلعة في "سوبر ماركت"، لتأتي من تفحصها خارجيا فقط وتتفرج عليها، فإن لم تعجبها تركتها!
ثم يأتي سؤال غاية في الأهمية: قرار الزواج بيد من؟ بيد زوج المستقبل وزوجة المستقبل فقط؟ أم تتدخل في اتخاذه أسرتاهما؟ عائلتاهما؟ قبيلتاهما؟ الأنساب والجيران؟ أم أن القرار بيد كل أولئك باستثناء (زوج المستقبل) و(زوجة المستقبل)؟!
أعتقد أنه من الممكن أن نشاهد كل تلك الحالات في مجتمع متعدد الثقافات كالمجتمع السعودي، فهناك من يترك أمر الزواج لأبنائه وبناته ولا يتدخل إلا في أضيق الحدود، وهناك من يرى أن القرار والموافقة على الاختيار بأي طريقةٍ حصل، هو شأن مشترك ينبغي للأسرة المشاركة فيه، كما يوجد من يعتقد أن (الكبار) وحدهم هم من يفهم في هذه الأمور، وما على (أزواج المستقبل) إلا السمع والطاعة!
لنفترض أن شابًا يرغب في الزواج، فلا بد له في البداية من قائمة شروط ينبغي توفرها في زوجة المستقبل: (جميلة، متدينة، تقدّس الحياة الزوجية)، ولكن عليه - في ذات الوقت - ألا يتغافل عن شروط والدته: (طويلة، بيضاء، عيونها واسعة، تجيد الرقص في الأعراس)، كما ينبغي أن يأخذ في اعتباره شروط والده: (والدها من أعيان البلد، تجيد الطبخ، لا يوجد لديها الكثير من الأخوات)، وعليه ألا ينسى شروط أخواته: (خفيفة دم، ليست ملقوفة، ليست أجمل منهن)، ومن المهم - أيضًا - عدم إهمال شرط إخوته الوحيد: (لوحات سيارات إخوانها مميزة) .هنا، سيكتشف ذلك الشاب أن (زوجة المستقبل) قد تحوّلت إلى (الزوجة المستحيلة)، وأن لدى هذه (الزوجة المستحيلة) - إن وجدت - ولدى أسرتها شروطًا لا تنطبق عليه كـ (زوج المستقبل) وإنما تنطبق - فقط - على) الزوج المستحيل!
وللبيئة التي ينشأ فيها الحب لها دور كبير في نجاح الزواج الذي تم عن طريق الحب والتعارف من عدمه. فعندما ينشأ بين اثنين لا يعلمان ما إذا كانت ظروف الحياة ستسمح لهما بالزواج أم لا، فالتعب النفسي هنا أكبر، وقد يقلب كل منهما تخطيط حياته رأساً على عقب، وفي حال لم يحدث الزواج قد يسبب لهما صدمة لا تزول، وفي حال حدث الزواج فإن المشاعر تكون قد استهلكت في تلك الفترة. ولننظر للطريقة الأخرى حيث إنه مهما توافرت الظروف المعيشية المناسبة للشاب فإنه سيقرر الزواج في الوقت المناسب، وبإمكان الأهل والأخوات تحديد الفتاة التي تصلح له بحكم معرفتهم به، وعند معرفة الأمور التي تدل على تقاربهما من بعضهما، فإنه سيتزوج وسينشأ الحب بينهما في بيئة مستقرة .
ولنطرح هنا سؤالا آخر: الحب كيف يحدث؟ فليس مقدراً لكل البشر أن يجتمعوا بمن يحبون في العمل أو الدراسة، وهنا يأتي دور الطريقة التقليدية. فهي عبارة عن تقليد مجتمعي يجمع بين طرفين راغبين في الزواج. يحدد اللقاء الأول الرفض أو الموافقة المبدئية وفي اللقاءات التالية، إما أن تتطور العلاقة إلى موافقة وحب كما في علاقة الزمالة أو أن تنتهي بانفصال الطرفين. كلتا الطريقتين تحتاجان إلى الوقت الكافي والشفافية الصادقة في التعامل، وكلتا الطريقتين يساء استعمالهما.
والفتاة المحدودة التجارب في الحياة وكذلك الفتى قد لا يجدان صعوبة في تقبل الزواج التقليدي أما أولئك الذين عملوا أو سافروا وتطورت شخصياتهم، والتقوا بالكثير من الجنسين، فأعتقد أنهم هم الذين يواجهون صعوبة وتردداً في الاختيار. لأن خبرتهم المتنوعة في الحياة، تجعلهم يبحثون عن شريك مناسب يكمل معهم مشوار حياتهم بالطريقة التي لا تعيق أحدهما، أو تعطل مشاريعه. فالزواج التقليدي أسلم مجتمعيا، لكن الزواج عن معرفة سابقة (سليمة) أنجع وأكثر فاعلية للطرفين صاحبي العلاقة، ونجاح طريقة لا يعني فشل الطريقة الأخرى، لكنها في النهاية: أقدار وأرزاق لا يعلم أحدنا نصيبه منها.
فالزواج التقليدي أو زواج المعرفة والعاطفة، لا يجب أن يطلبا لذاتهما، فالهدف الأسمى يظل في النهاية إنشاء أسرة على دعائم قوية، حيث يكون هناك انسجام وتوافق وبالتالي تستطيع السفينة أن تبحر بأمان في بحر الزواج المتلاطم. ومن واجب الأهل وأولياء الأمور أن يوفروا البيئة المناسبة ليستشفا هذا التوافق، وأن يكون هدفهما سعادة الأبناء والبنات، لا ما يقوله الناس.
*نقلا عن جريدة "الوطن" السعودية"